U3F1ZWV6ZTE5ODc2NDU4NDM5MjU3X0ZyZWUxMjUzOTc4ODcxNzgzNQ==

عيد الفصح اليهودي

 عيد الفصح اليهودي (פסח بيساح): رحلة من العبودية إلى الحرية وقصة خبز الفطير

في قلب الربيع من كل عام، يحتفل الشعب اليهودي في جميع أنحاء العالم بواحد من أهم أعيادهم وأكثرها رمزية: عيد الفصح اليهودي، المعروف بالعبرية باسم "פסח بيساح" (Pesach). هذا العيد ليس مجرد احتفال ديني، بل هو رحلة عبر الزمن تستحضر قصة الخروج من مصر، وتجسد معاني الحرية، والصمود، والذاكرة الجماعية التي تنتقل من جيل إلى جيل. في هذه الأيام ونحن في [منتصف أبريل 2025]، يتردد صدى هذه القصة العريقة في بيوت ومجتمعات كثيرة تحتفل بهذا العيد. دعونا نتعمق في تفاصيل هذا العيد الهام، تاريخه، طقوسه، ومعانيه العميقة.


جذور القصة: الخروج من أرض العبودية

تعود جذور عيد الفصح إلى القصة المذكورة في سفر الخروج في التوراة. تحكي القصة عن بني إسرائيل الذين عانوا لسنوات طويلة من العبودية القاسية تحت حكم فرعون في مصر القديمة. ووفقًا للرواية الدينية، أرسل الله النبي موسى ليطلب من فرعون إطلاق سراح شعبه. وعندما رفض فرعون، أنزل الله على مصر الضربات العشر، وكانت آخرها وأشدها هي موت الأبكار من المصريين.

لإنقاذ أبكار بني إسرائيل، أُمروا بذبح خروف ووضع دمه على عتبات بيوتهم كعلامة. في تلك الليلة، "عبر" (פסח - Pasach بالـعبرية، ومنها جاء اسم العيد "بيساح") ملاك الموت عن بيوت بني إسرائيل ولم يمس أبكارهم بأذى. هذا الحدث دفع فرعون أخيرًا للسماح لهم بالرحيل.

بسبب الحاجة للرحيل السريع، لم يكن لدى بني إسرائيل الوقت الكافي لترك عجائنهم تتخمر قبل خبزها. لذا، خبزوا خبزًا غير مختمر، وهو ما يُعرف اليوم باسم "المَصَّة" أو خبز الفطير (Matzah)، والذي أصبح الرمز الغذائي الأبرز لعيد الفصح.

أهم طقوس ومظاهر عيد الفصح (פסח بيساح)

عيد الفصح غني بالطقوس والتقاليد التي تهدف إلى إعادة تمثيل وتذكر قصة الخروج. 

من أبرز هذه المظاهر:

  1. التخلص من "حاميتس" (Chametz): قبل بدء العيد، تقوم العائلات اليهودية بعملية تنظيف شاملة للمنزل للتخلص من أي أثر للخبز المختمر أو أي منتجات تحتوي على الحبوب الخمسة المخمرة (القمح، الشعير، الشوفان، الجاودار، الحنطة). يُحظر تناول أو امتلاك "الحاميتس" طوال أيام العيد السبعة (أو الثمانية خارج إسرائيل)، ويتم استبداله بالمصّة (Matzah). يرمز هذا التقليد إلى التخلي عن التكبر (الذي يرمز إليه العجين المنتفخ) والتذكير بالرحيل المتسرع من مصر.

  2. عشاء "הסדר السيدر" (Seder): هو الوجبة الاحتفالية الرئيسية التي تقام في الليلة الأولى (وأحيانًا الثانية) من العيد. كلمة "סדר سيدر" تعني "نظام" أو "ترتيب" بالعبرية، وتشير إلى الترتيب المحدد للصلوات، قراءة قصة الخروج، والأطعمة الرمزية.

    • طبق السيدر: يوضع في وسط الطاولة طبق خاص يحتوي على أطعمة رمزية، كل منها يمثل جزءاً من قصة الخروج:
      • המצה المصّة (Matzah): خبز الفطير الذي أكله بنو إسرائيل عند خروجهم.
      • מרור مارور (Maror): أعشاب مرة (كالخس المر أو الفجل الحار) ترمز لمرارة العبودية.
      • חרוסת خاروسيت (Charoset): مزيج حلو من الفاكهة المفرومة (كالتفاح والتمر) والمكسرات والنبيذ، يرمز إلى الملاط الذي استخدمه العبيد في بناء مدن الفراعنة.
      • כרפס كارباس (Karpas): خضروات (عادة بقدونس أو كرفس) تُغمس في الماء المالح لترمز إلى دموع العبيد وإلى تجدد الحياة في الربيع.
      • זרוע زروع (Zeroa): قطعة لحم ضأن مشوية (عادة عظم الساق)، ترمز إلى قربان الفصح الذي كان يُقدم في الهيكل قديماً وإلى دم الخروف الذي وُضع على الأبواب.
      • ביצה بيتساه (Beitzah): بيضة مسلوقة ومحمرة قليلاً، ترمز إلى دورة الحياة، الحداد على خراب الهيكل، وصلابة الشعب اليهودي.
    • הגדה الهاجاداه (Haggadah): هو الكتاب الذي يُقرأ خلال السيدر، ويحتوي على نصوص الصلوات، الأدعية، الأغاني، وشرح تفصيلي لقصة الخروج ورموز العيد. الهدف هو سرد القصة ونقلها للأجيال الجديدة.
    • الأسئلة الأربعة (Ma Nishtana): جزء تقليدي ومحبب من السيدر، حيث يسأل أصغر أفراد العائلة القادرين على القراءة أربعة أسئلة تبدأ بـ "ما الذي يميّز هذه الليلة عن سائر الليالي؟"، وتتعلق هذه الأسئلة بطقوس العيد (لماذا نأكل המצה المصة؟ لماذا نأكل המרור المارور؟ إلخ).
    • أربعة كؤوس من النبيذ: يشرب المشاركون في السيدر أربعة كؤوس من النبيذ (أو عصير العنب) ترمز إلى وعود الله الأربعة بالخلاص المذكورة في التوراة.

مدة العيد وتوقيته

يبدأ عيد الفصح في اليوم الخامس عشر من شهر نيسان حسب التقويم العبري، ويستمر لمدة سبعة أيام في إسرائيل ولدى العديد من اليهود الإصلاحيين، بينما يستمر لمدة ثمانية أيام لدى العديد من اليهود الأرثوذكس والمحافظين خارج إسرائيل. (لعام 2025، بدأ العيد مساء السبت 12 أبريل ويستمر حتى مساء السبت 19 أبريل أو الأحد 20 أبريل حسب التقليد المتبع).

الأهمية الدينية والثقافية: ما وراء القصة

عيد الفصح ليس مجرد استعادة لحدث تاريخي، بل يحمل معاني أعمق:

  • الحرية والخلاص: هو احتفال بالتحرر من القمع والظلم، وتذكير دائم بقيمة الحرية الفردية والجماعية.
  • الهوية والذاكرة: يعمل العيد على ترسيخ الهوية اليهودية ونقل الذاكرة التاريخية والدينية من جيل إلى جيل.
  • المسؤولية الاجتماعية: قصة العبودية والخروج تلهم الكثيرين للعمل من أجل العدالة الاجتماعية ومساعدة المضطهدين والمحتاجين في العالم اليوم.
  • الأمل والتجدد: وقوع العيد في فصل الربيع يربطه أيضاً بمعاني التجدد والبدايات الجديدة والأمل في مستقبل أفضل.
  • الأسرة والمجتمع: السيدر والطقوس الأخرى تجمع العائلات والمجتمعات معاً، مما يعزز الروابط الاجتماعية.

في الختام

عيد الفصح اليهودي (פסח بيساح) هو أكثر من مجرد عطلة؛ إنه تجربة غنية تجمع بين التاريخ، الدين، الثقافة، والتقاليد العائلية. من خلال طقوسه المتقنة وقصته المؤثرة.

تعليقات
ميزة شاهد ايضا
الاسمبريد إلكترونيرسالة